غزوة بدر الكبرى







غزوة بدر هي أول معركة كبرى خاضها المسلمون في العصر النبوي، وفيها حققوا النصر على قريش رغم قلة عددهم وعدتهم. وفيما يلي مقال يتناول هذه الغزوة بالتفصيل:

## أسباب الغزوة
كان السبب الرئيسي للغزوة هو رغبة المسلمين في الاستيلاء على قافلة تجارية لقريش تحمل أموالاً كثيرة، وتقودها أبو سفيان بن حرب، وكانت تعود من الشام إلى مكة. وكان جزء من هذه الأموال ملكاً للمهاجرين الذين تركوها في مكة عندما هاجروا إلى المدينة، فاستولت عليها قريش ظلماً وعدواناً. وكان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قد أذن للمسلمين بالقتال بعد أن كانوا يعرضون عن المشركين، وقال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ¹. وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد ليستطلعا خبر القافلة، فلما علموا بموعد وصولها، عادوا إلى المدينة وأخبروا النبي، فندبهم للخروج وقال: (هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها) ².

## تحضير الجيش الإسلامي
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين إلى بدر، وكان عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيراً واثنان فرسان. وعقد النبي مجلساً للشورى مع أصحابه ليستشيرهم بالخروج، فأيدوه ووعدوه بالبقاء معه والقتال في سبيل الله. وقال المقداد بن عمرو: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللَّهِ لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ) ³. وقال سعد بن معاذ: (لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ ... فَوالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ ... فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ) ³. وتولى النبي -صلى الله عليه وسلم- تنظيم الجيش وتوزيع المهام على أصحابه، وأرسل العيون لاستطلاع الأخبار، وأمر بالسرعة في السير والحذر من العدو.

## تحرك الجيش القرشي
لما علم أبو سفيان بخروج المسلمين لاعتراض قافلته، تغير مساره وأرسل رسولاً إلى قريش يطلب منهم النجدة والعون. فاستجابت قريش وخرجت بجيش كبير يقوده أبو جهل، وكان عددهم ألف رجل، معهم مئتا فرس. وكان من بينهم أشراف قريش وساداتها وشعراؤها ومشاهيرها. وكانوا متكبرين ومستهزئين بالمسلمين ومتوقعين النصر والغنيمة. ولما وصلوا إلى بدر، ترددوا في القتال، فبعضهم أراد العودة إلى مكة، وبعضهم أصر على المواجهة. وكان من المترددين عتبة بن ربيعة والحارث بن هشام وأبو البختري، وكان من المصرين على القتال أبو جهل وعكرمة بن أبي جهل والعاص بن سعيد وغيرهم. وقال أبو جهل: (والله لا نرجع حتى نأتي بدرا، ونبيت ثلاث ليال، ونسقي الخمر، وتغني القينات، ويسمع العرب بنا، فيخشونا إلى الأبد) ⁴.

بداية المعركة

 وصل المسلمون إلى بدر قبل المشركين، واختاروا موقعاً ملائماً للمعركة، وسيطرو على البئر الرئيسية
وحفروا خنادقاً لحماية ظهورهم. واستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في ترتيب الجيش، فأمرهم حبيب بن منذر بحمل الراية، وأمر الأنصار بالوقوف في الجناح الأيمن، والمهاجرين بالوقوف في الجناح الأيسر، وأمر نفسه وأبا بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة بالوقوف في المركز. ونهى المسلمين عن الاقتحام قبل أن يأمرهم، وعن الفرار إذا اشتد القتال، وعن قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان، وعن تمزيق الجثث والتشويه. وأعطى المسلمين بشارات النصر والفلاح، وقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مَكَانَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قَتَلَهُ اللَّهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كَأَنَّهُمُ الْبَرَدُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحْمِلُ الرَّايَةَ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: اهْزُمُوهُمْ وَابْتَغِ الْوَجْهَ) .

المعركة بدأت بمبارزة بين ثلاثة من المشركين وثلاثة من المسلمين، فقتل الأخيرون خصومهم وأثاروا هيبة الإسلام. ثم اندفع الجيشان إلى بعضهما، وكان المسلمون يهتفون: (أَحَدٌ أَحَدٌ) ، وكان المشركون يهتفون: (عُزَّى عُزَّى) . وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله ويستغيث به، ويقول: (اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنَ الْأَحْزَابِ لاَ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ) . وأنزل الله على المسلمين الملائكة لينصروهم ويشدوا أزرهم، وقال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) . وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشير بيده إلى الأماكن التي يقع فيها قتلى المشركين، ويقول: (النَّارُ النَّارُ) . وكان المسلمون يقاتلون بشجاعة وإيمان، ويتحملون الجروح والصعاب، ويسعون إلى الشهادة والفداء. وكان من أبرز أبطالهم حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ومسعب بن عمير وغيرهم. وكان من أشد المشركين عداوة وحماقة أبو جهل وعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وغيرهم. وكانت المعركة تميل إلى جانب المسلمين، فهزموا العدو وقتلوا منهم سبعين رجلاً، وأسروا سبعين آخرين، وفر الباقون هاربين.

نتائج الغزوة كانت المعركة نقطة تحول في تاريخ الإسلام، فأظهرت قوة الإيمان وضعف الشرك، وعلى نصر الله للمؤمنين وخذلانه للكافرين. وكانت المعركة فرصة لتطهير الجزيرة العربية من الطغاة والمعتدين، ولنشر الدعوة الإسلامية بين القبائل والأمم. وكانت المعركة مدرسة للمسلمين في الجهاد والشهادة والصبر والتوكل على الله وحده. اما عن سبب تسميتها  بغزوة بدر الكبرى،
ف يقال لانها قد وقعت  في قرية بدر، التي كان يوجد  بها بئر بدر الشهير، والواقعة في المسافة بين مكة المكرمة، وبين المدينة المنورة، يبعد عن مكة المكرمة 310 كيلومتر ويبعد عن المدينة المنورة نحو 150 كيلو متر، ولذلك أطلق عليها غزوة بدر نسبة إلى هذا المكان الذي كان أرضا للمعركة.  
تعليقات